الجديد

فيلسوف الهدى .. بقلم: د. مالك كامل الرفاعي



فيلسوف الهدى



إلى العلامة فيلسوف التوحيد:
العماد الشيخ أحمد ابن جابر البانياسي بقرفيص قدَّسه اللّه.



في صَدْرِ كُلِّ وليٍّ عالِمٍ, مُقَلُ
بنورِ مُبْدِعِها الوهَّابِ, تتَّصِلُ

ترى الحقائِقَ مِثْلَ الشَّمسِ ساطِعةً
فتَنْقِلُ الحقَّ مجلوَّاً لمنْ عَقَلوا

الشيخُ أحْمَدُ في قرفيصَ آيتُها
وقدْ تحدَّثَ عنهُ النّحلُ والمِلَلُ

أرْسى لنا في ذرى العُرْفانِ فلْسَفةً
لا السنُّ يُدْرِكُ معناها ولا الجَبَلُ

إقْرأْ مسائِلَهُ, واعْجَبْ بأجوبةٍ
كانَتْ على صفوةِ الألبابِ تشْتَكِلُ

يا فيلسوفَ الهدى, ما ضلَّ وافِدكمْ
وما حَرمْتَ رحيقَ العلمِ مَنْ سَأَلوا

جُبِلْتَ بالنُّورِ إيماناً ومُعْتَقَداً
يا نَجْلَ جَبْلةَ فيكَ النورُ يَنْجبلُ

نزَّهتَ رَّبكَ عن اسْمٍ وعن صفةٍ
وعنْ مثالٍ.. فأنتَ العالِمُ المَثَلُ

خُذْني إليكَ.. إلى رؤياكَ في شغفٍ
أُقَبِّلُ الأرْضَ تكريماً وامْتَثِلُ

لو لمْ يَكُنْ في مدارِ النَّجْمِ مُعجزةٌ
لكُنْتَ نجماً مَعَ الأفْلاكِ تَنْتَقِلُ

بَصَّرْتنا بمعاني الباءِ مُذْ رُسِمَتْ
ونقْطَةُ الباءِ: لا رسْمٌ ولا طَلَلُ

لو أنَّها بُحِثتْ في أيِّ جامِعةٍ
لضاقَ عنها جمالُ الحَرْفِ والجُمَلُ

أوْ أنَّها خُبِّئَتْ بالقُربِ من جبلٍ
لراحَ يسْأَلُ عن أسْرارِها الجَبَلُ

فلْسَفْتَ ما خصَّبَ الرحمانُ مَعْرِفةً
وليسَ يُمْحِلُها: إفْكٌ ولا جَدَلُ

وَصيَّةٌ سَقْرَطتْ نَهْجاً فَخصَّبَها
سابورُ يُسْبُرِ ما تُوصي بهِ المُثُلُ

لو أَدْرَكَتْها عقولُ الناسِ وانْتُهِجتْ
لما تخالفَ فيها العلْمُ والعَمَلُ

وكانَ كلُّ دعاةِ الأرْضِ في سَفَرٍ
إلى الحقيقةِ لا يُلْهيهُمُ شُغُلُ

يا نجلَ جابرَ من عبدِ السَّلامِ لًكُمْ
منّا السَّلامُ فأَنْتُمْ خيرُ مَنْ وَصلوا

لكَ البراهينُ: أسْرارٌ مكوكبةٌ
وليسَ يُحصي مَدَاها الفجْرُ والطَّفَلُ

تبقى معَ الدَّهرِ قاموساً لفلْسَفَةٍ
يُزينُ إعْرَابَها: الإعْجازُ والعِلَلُ

هذا مقامُكَ للزوَّارِ كَعْبَتُهُمْ
والحجُّ بالرُّوحِ: لا رَكْبٌ ولا إبَلُ

يا قبّةً في رُبى قرفيصَ شاهدةً
فيها الهلالُ ومنهُ النورُ يقْتَبِلُ

ما أجْمَلَ الزُّهدَ أنْ يَخْفى فَتُظهِرُهُ
شمُسُ البراهينِ: لا غيمٌ ولا ظُلَلُ

إنَّ العمادَ لهُ جيشٌ يُبايِعُهُ
على ولايةِ مَنْ دانَتْ بهِ الرُّسلُ

قدْ زيَّنَ اللَّهُ بالتوحيدِ دَوْلَتهُ
وليسَ ترقى إلى عليائهِ الدُّوَلُ

يا سيِّدي ونداءُ القلْبِ يُسْعِدُني
إنّي بقبَّتِكَ الغرَّاءِ أبْتَهِلُ

هَديتَ أحْمَدَ مخلوفٍ فعمَّرَها
سماءَ وحيٍ عليها النورُ يَنْهَمِلُ

فالأحمدانِ على التاريخِ مَفْخَرةٌ
كلاهُما لمْ يُؤجِّلْ ذكْرَهُ الأَجَلُ

القدسُ قُدْسُهُما, والنورُ نورُهُما
والسرُّ سرُّهُما: والحقُّ مُكْتَمِلُ

قلبُ الرّفاعيِّ موصولٌ بِذكْرِهِما
وأينَما ارتحلا بالحقِّ, يَرْتَحِلُ

ولي مِنَ الوجْدِ لو حَمَّلْتُهُ جَبلاً
لكانَ كالجَبَلِ الرَّاسي بهِ الجَبَلُ

وَقُلْ لمنْ شغلوا بالسُّوءِ أنْفُسَهُمْ
إنّي بأسْرارِكَ البيضاءِ أنْشَغِلُ

هجرتُ حالي بأحوْالٍ أُكابِدُها
وكُلَّما انْفَصَلتْ: بالحالِ تَتَّصِلُ

وفي مَنافي الفيافي رؤيتي اتَّسَعَتْ
دمْعُ القوافي عليها الطلُّ والطَّلَلُ

حملتُ كُلَّ همومِ الخلْقِ في كبدي
فَمَنْ لِهمِّيَ بينَ الخلْقِ يَحْتَمِلُ

أفدي نسائِمَ أهْلِ الذوقِ أنْشُرُها
بخورَ فكْرٍ من الأنوارِ يَشْتَعِلُ

وكلُّ حبّةِ بخوُّرٍ لها مَثَلٌ
وليسَ منْ مَثَلٍ لو يَظْهَرُ المَثَلُ

جئِنا مَعَ النورِ نَسْتَهدي منازِلَهُ
فنحنُ أوّلُ مَنْ جاؤوا فما رَحَلوا

ونحنُ أوَّلُ من نُودوا وأوَّلُ مَنْ
لبُّوا.. وأوَّلُ من قالوا ومَنْ عَمِلوا

زينَ المشائخِ عُذراً فالمدى قلمي
يمشي ومِنْ حُلمي مهما نأى, يَصِلُ

وقدَّسَ اللَّهُ روحاً كُنْتَ حامِلَها
وليسَ يَحْمِلُها غيرُ الألى احتملوا


الشاعر والإعلامي:
د. مالك كامل الرفاعي - سوريه


ليست هناك تعليقات