الجديد

يوم المسرح العالمي و جدلية البطل العنيف .. بقلم: مشهور خيزران





يوم المسرح العالمي ...  
 و جدلية البطل العنيف
 







... لا يكفي أن يخترع الناس أشياء جميلة ليتغلبوا بها على قوى الطبيعة و لم تزل علاقاتهم فيما بينهم من حيث الجوهر في ذروة وقاحتها الهمجية , فحضارة الرأسمالية الحديثة و نظامها العالمي الجديد , هي في طبيعتها حضارة إرهاب و قمع وتدمير في العنف المباشر فمثلاً حين تمرجل ذلك الصهيوني السافل على مجموعة من البشر النيام و دق أجسادهم في – قانا- لبنان  و جلّهم من الأطفال و النساء , كان يعلم أن حكام البيت الأبيض الأمريكي سيرفعون له قبعاتهم إجلالاً , هذا من جهة العنف المباشر كما أسلفنا . و حضارة استغلال في العنف المكبوت من جهة أخرى .
ففي الغرب الصناعي لم يزل يخلد التخلف في نظرته إلى الإنسان و إلى علاقاته ببني جنسه , حيث الاحترام للجريمة و المجرم, فالبطل في هذه الأنظمة يؤكد ذاته بالعنف و يحس معه بالإجلال و الاحترام التي تمنحه إياهما قوانين هذه الأنظمة ... فقد صورته السينما و المسرح الغربيان مثالي جامد مفرغ من تناقضاته الداخلية فـ"جيمس بوند"عندهم مثلاً لا يشعر بالخوف أبداً و قد بدا سيفاً للعدالة بشكل مطلق , و كأنك به لم يصب بالحصبة ذات يوم كسائر البشر,   و لا يجفل من قفزة هرة في عتمة ليل , فهو لا يشبه أمثاله من المخلوقات كما صوّره المسرح أو السينما الخ.... و لأنه "جيمس بوند" فمحكوم عليه بالانتصار.
إن المجازر التي نفّذها زعيم إسرائيل ارييل شارون في صبرا و شاتيلا مصدر عظمة له حسب قوانينه و قناعاته و انعكاساً منطقياً لأخلاقياته الإمبريالية أكثر من القوانين التي اشترعها "أرخميدس" و بائع السمك المعتوه اليوناني " هيروسترات" الذي أحرق معبد"أرتميدا" في مدينة "إيفس " اليونانية أكثر شعرة من "باستور " و على الرغم من سذاجته و تواضع ثقافته الشخصية, إلا أن روحه تحفل بالشر الرأسمالي – أخلاقياً- و الذي ما جاء سلوكه هذا إلا نتيجة منطقية و موضوعية لأخلاقيات النظام الذي يعيش .
...إن البطل العنيف برأينا يحمل في طويته تناقضاته الذاتية , و هي بالضرورة تناقضات العالم الذي أفرزه عالم علاقات الإنتاج الرأسمالية . فالسوبرمان الاستعماري كما يرى نفسه في عين المطلق , لا يعتبر سوبرماناً إلا بقدر ما يكون الإنسان المستعمر مهزوماً دون رجعة و هذا مستحيل .. و من هنا كم يبيت لزاماً على المسرح المناهض للاستعمارو الاستغلال بأشكاله     و بجميع أماكن تواجده, لأن يعي تلك الأهمية للتدريب على إدراك تناقضات المجرم العنيف ,     و هذا التدريب هو الخطوة الأولى في حماية وجودنا منه .
.. لقد سمّى "جوركي" الأدب بأنه عين العالم التي ترى كل شيء, و التي تتوغل نظرتها في أعمق أسرار النفس البشرية. إنّ هذا التعريف لا ينطبق على الأدب وحده . بل على الفن ككل  و من بينها المسرح . و الفنان برأينا لا يملك الحق في أن يكون خير خبيرٍ في فهم الإنسان        و مواقعه من الصراع .
و في يوم المسرح العالمي الذي يَعُودُنا سنوياً في 27 / آذار نسألكم يا أجمل الناس , أيها المسرحيون الكائنون في البقاع المستضعفة من هذا العالم : أليس من العيب بمكان هذه التبعية الإبداعية للبائد من الأنظمة التي تدور في تلك الرأسمالية سياسياً و ثقافياً؟ و الخطورة تكمن في أنكم لا تنظرون إلى ما يدور حولكم و عليكم بالعين التي اقترحها عليكم جوركي , فبعض هذه الأنظمة حيث تعيشون تبدو في جلدها مناهضة للغرب الرأسمالي و غطرساته . أما فيما تحت جلدها فهي عميلة له و خانعة حتى مخ العظام. أجل هم يصفقون لك عندما تشتم في مسرحك الطغاة و الغزاة على الخشبة , لأنهم يدركون أنك بهذا تفرغ جمهور النظارة لديك من تناقضاته الداخلية بعد أن قمت بتطهيره , و أنَبْتَ نفسك عنه في إلحاق الهزيمة بالعدو الوطني و الطبقي على الخشبة , و على الخشبة و حسب . إنهم جد ممتنون لك بأنك استهلكت فاعلية و عاطفة متلقيك , أما حين تنتبه و تقدم لمشاهدي فنك المسرحي ما يحرض عقله و يوقظه و يعلمه,      و أنك وضعته في مقعده يتابع عرضك بروح محايدة و ناقدة , فتلك الطامة الكبرى لهم , حينئذٍ ينتبهون و بغريزة البطش الرأسمالي عندهم,  سيعرفون أنك المسرحي بحق و المرعب بحق , و لعل الذين يكتفون بالضحك على الجريمة على الخشبة ليسوا إلا مسننات في عجلتها .
افعل شيئاً غير هذا أيها المسرحي لتصبح المسنن في عجلة الثورة و ليغادر الطغاة دنيانا و إلى الأبد .
.. و ها أنذا أنحني معايداً في يومك المسرحي العالمي . و أتذكر أن روح  فواز الساجر و سعدالله ونوس و ممدوح عدوان و الكثير من المسرحيين الذين قضوا لا تلبث تَهُوم كما القبّرات في فضاءات الخشبات لتحطّ بأجنحة من تحدٍّ و أمل .
مشهور خيزران   

ليست هناك تعليقات