الجديد

لحزن اسرجت الغزال .! بقلم: سماح حسنين




لحزن اسرجت الغزال .!






كيف تبدأ الحياة و كيف تنتهي ؟ مَنْ يُلقي أعمارنا صدفة جثة مدججة بالحب و القصائد في عمقٍ لا نعرفه كي ينبت المجد و تُزهر الحضارة و تصير البلاد نقية ؟ كل هذا يا بشير لا يصلح لأن يكون فيما بعد شريطاً للذاكرة , لا يُمكن للغة أن تنام , و لا يمكنك أن تتحول فعلاً إلى " رماد السيرة " ! الذي حصل فقط , أو الذي سأُجْبَرُ على تسميته مجازاً " موتك " لن يكن أكثر من حلمٍ فارغ لشغفٍ مجنون تَأبَط سوريانا و اعتقد بأنه ظلٌ ثابتٌ للرب . غداً سنكتشف ذلك , كلنا سنراك تحت ياسمينة صغيرة زرعتها قبل عامٍ لامرأةٍ تَقطَع الكروم بجسدٍ ساخن , سننسى سخافة الفكرة و نضحك على قدرتنا الفظة التي احتملت الحقيقة بخطئها الغير مسموح , سنُصاب أخيراً بالمعنى الواسع الذي حاولت اثباته دائماً عندما كنا نعاني من ضيقٍ في الرؤية و الفهم و البقاء ... سنعضّ شفاهنا لأننا عرفنا بعد فوات الأوان أن النصوص التي هربت منك هربت لتكون لك في الوقت المناسب , المناسب تماماً , سنغني لا لأن أصواتنا اشتاقت , بل لأننا خائفون من الأوطان و عليها , نُكدس روزنامات الحزن فوق بعضها ليحرسها الوهم ويُهديها في أول الصباح إلى انعكاس البوح في الضوء , أو إلى صوتٍ يُردد في الفراغ كلاماً مؤرقاً عُلق طويلاً على الجدار كعشبة فائضة . امرأةٌ واحدة تستطيع أن تُكذب الخرافة التي لبستكَ و تقول بأنكَ لا زلت , لأنها كانت في خيالك قبل قليلٍ , تشُدكَ من قلبكَ لتكتبها , امرأة واحدة أفقدتها الحرب قدرتها على النواح و حفظت الحب في صورةٍ عثرت عليها في وردة الفيحة حين كانت عارية إلا من فكرتها و فكرتك , جنونها و جنونك , وحدتها و وحدتك ...هكذا يا عزيزي نستطيع جميعاً أن نُدلل الذاكرة التي لا تصمد و قتما يحضر الموت ببذخ و يُغلق دون مبرر دفتر الحضور , هكذا يسحب منا لذة البلل حين تُمطر الشوارع بالحكايات و الأسئلة و يلتقط العابرون شِرك الوقت بسهولة . أكنت تمتلك نيةً للغياب ؟ لا , لا يمكن للعاشق أن يُمرر انتباهه من هذا الطريق فما الذي حدث ؟ غَفَتْ البلاد فجأة فانقضت الغولة و الوحوش ! ارتجف الصراخ في حنجرة نص ما تركته مؤخرا مركوناً على رفٍ بعيدٍ في الذاكرة كي لا يطاله أحد , لملمت الوطن كله بنظرةٍ واحدة , فككت عقدة عميقة في خيط الكلام , بصقت على العالم , و , و مضيت ! أحببتَ منطقاً يحمل الدهشة على ظهرٍ مجروح و نمت واضعاً رأسك نحو قِبلة الخلود , رميت مناماً مزعجاً للحالة بالطوب بعد أن لعَنتَ الصمت , خَمّنتَ اتجاه التحريض الساكن فيك , ركبتَ مُبكرا جداً قطاراً مارسيَّ قبل أن يأتي الربيع , شاهدت فقط بكاء الطبيعة طيلة ما رحل و مللت , اكتفيت , جففت الندى عن وجه مدينتك , قبلتَ داليةَ عنب ستخرج من الأرض كقلبٍ يتيم , شربت الوداع , و رحلت , بارادتكَ , بارادتكَ الكاملة , لم يقتلك أحد لأن الحُر أبداً أبداً لا يُقتل , غادرت مَجدولاً بالاكتناز و الدهشة مثل غزالٍ بريّ راقب الأفق قبل أن يلاحق موسيقى الهواء و يردد " لهكذا حزنٍ أسرجتني أمي " . 

سماح حسنين ــ غزة 

ليست هناك تعليقات